البنية العامة للبرنامج الدراسي ومحاوره الخمسة
يُبنى البرنامج الدراسي للغة العربية بمؤسسات الريادة على
إطار مرجعي موحد يضمن الانسجام بين مختلف مستويات السلك الابتدائي.
ويقوم هذا الإطار على خمسة محاور كبرى تمثل مجالات للتعلم وتفتح آفاق
التفكير لدى المتعلمين من خلال قضايا قريبة من واقعهم، وهي:
1.
من نحن؟ (الهوية):
يهدف هذا المحور إلى تمكين المتعلم من التعرف على ذاته، وعلى خصوصياته
الثقافية والاجتماعية، وتنمية الإحساس بالانتماء للأسرة والمدرسة
والوطن.
2.
أين نحن في الزمان والمكان؟ (الزمان والمكان):
يكتشف المتعلم من خلال هذا المحور مفهوم الزمن والمجال، ويتعرف على محيطه
الطبيعي والاجتماعي في أبعاده المحلية والوطنية.
3.
كيف نعبر عن أنفسنا؟ (التعبير عن الذات):
يتعلم المتعلم أساليب التواصل الشفهي والكتابي، ويتدرب على التعبير عن
أفكاره ومشاعره بلغة سليمة وواضحة.
4.
كيف يُنظم العالم؟ (تنظيم العالم):
يتيح هذا المحور للمتعلمين استكشاف القواعد التي تضبط النظام في الطبيعة
والمجتمع، مما ينمي لديهم روح التنظيم والتفكير المنطقي.
5.
كيف تعمل الطبيعة؟ (عمل الطبيعة):
يُكسب هذا المحور المتعلمين القدرة على الملاحظة والوصف والفهم العلمي
للعالم المادي والطبيعي الذي يعيشون فيه.
تُشكل هذه المحاور مجتمعة أساسًا لتخطيط التعلمات وتنظيمها على امتداد السنة
الدراسية، حيث تتوزع حولها النصوص القرائية والأنشطة اللغوية والورشات
التطبيقية، بما يضمن انسجام التعلمات وتكاملها بين مستويات السلك
الابتدائي.
الكفايات الأساسية الخاصة باللغة العربية
يرتكز تدريس اللغة العربية في
مؤسسات الريادة على تنمية كفايات أساسية خمس
تشكل العمود الفقري لتعليم هذه اللغة عبر مختلف المستويات الدراسية بالسلك
الابتدائي. وتتكامل هذه الكفايات بشكل تدريجي لضمان تمكُّن المتعلم من التواصل
السليم والفعال شفهياً وكتابياً.
1. الكفاية
التواصلية:
تتمثل في قدرة المتعلم على التفاعل الإيجابي مع الآخرين
باستعمال لغة عربية سليمة، سواء في المواقف اليومية أو داخل الفصول الدراسية.
وتشمل مهارات الإنصات، والتحدث، والقراءة، والكتابة، بما يعزز الثقة بالنفس ويقوي
القدرات التعبيرية.
2. الكفاية
اللغوية:
تهدف إلى تمكين المتعلم من التحكم في بنية اللغة العربية
من حيث النحو والصرف والإملاء والتركيب والمعجم، مما يتيح له استعمالها بدقة في
مختلف السياقات التواصلية.
3. الكفاية
الثقافية والقيمية:
ترسخ هذه الكفاية القيم الوطنية والإنسانية، وتربط
المتعلم بهويته الثقافية والاجتماعية من خلال نصوص ومواقف مستمدة من واقعه المحلي
والوطني.
4. الكفاية
الإستراتيجية:
تتعلق بقدرة المتعلم على توظيف استراتيجيات التعلم
الذاتي، كالملاحظة، والمقارنة، والاستنتاج، والتخطيط لحل المشكلات اللغوية التي
تواجهه أثناء التعلم.
5. الكفاية
المنهجية:
تُمكِّن المتعلم من تنظيم تعلماته، واستثمار الموارد
المعرفية واللغوية المكتسبة بطريقة فعالة، بما يحقق الاستقلالية في التعلم ويُنمّي
روح المبادرة والمسؤولية.
تُعد هذه الكفايات الركائز
الأساسية التي يقوم عليها البرنامج الدراسي للغة العربية بمؤسسات الريادة، إذ
تُوجَّه جميع الأنشطة الصفية والورشات التطبيقية نحو تحقيقها وضمان تراكمها
التدريجي عبر السنوات الدراسية.
التنظيم الزمني للحصص وورشات اللغة العربية
يعتمد دليل المدرس(ة) بمؤسسات
الريادة تنظيمًا زمنيًا دقيقًا للحصص الأسبوعية الخاصة باللغة العربية، يراعي التوازن بين مكونات اللغة ويمنح المتعلم
فرصًا متكافئة للتعلم والممارسة.
يتم توزيع الزمن المدرسي بطريقة تتيح التدرج في اكتساب
المهارات اللغوية، مع تخصيص فترات منتظمة للمراجعة والتقويم والدعم.
يشمل التنظيم الأسبوعي أربع ورشات
أساسية مترابطة:
1. ورشة
الاستماع والتحدث (الفهم الشفهي والتعبير الشفهي):
تهدف إلى تنمية قدرات المتعلم على الفهم السمعي، وتحسين
نطقه وتمكنه من التعبير الشفهي السليم. ويُعتمد فيها على مواقف تواصلية ونصوص
قصيرة قريبة من محيط الطفل.
2. ورشة
القراءة:
تركز على بناء الكفاية القرائية عبر تنمية مهارات التعرف
على الحروف والمقاطع والكلمات، ثم الفهم والتأويل والتفاعل مع النصوص. ويُراعى
فيها التدرج من القراءة الموجهة إلى القراءة المستقلة.
3. ورشة
الكتابة:
تتناول جوانب الكتابة الوظيفية والإبداعية، من النقل
والنسخ إلى الإنشاء، مع تدريب المتعلمين على تنظيم أفكارهم واستعمال اللغة الصحيحة
في التعبير الكتابي.
4. ورشة
اللغة (الصرف، النحو، الإملاء والمعجم):
تهدف إلى تمكين المتعلم من القواعد اللغوية الأساسية
بطريقة مبسطة ووظيفية، حيث تُقدَّم القاعدة في سياقها داخل النصوص والأنشطة، لا في
شكل تجريدي منفصل.
يُراعي هذا التنظيم أن تكون الحصص
متدرجة من البسيط إلى المركب، وأن
يُمنح المتعلم وقتًا كافيًا للتدريب والمراجعة، مما يضمن التحكم في التعلمات الأساسية قبل الانتقال إلى مستويات
أكثر تعقيدًا.
كما يتميز التخطيط الزمني بالمرونة، مما يسمح للأستاذ(ة)
بتكييف الإيقاع وفق حاجات المتعلمين ومستوى تقدمهم الدراسي.
مبدأ التدريس الصريح وضمان التحكم في التعلمات
يُعَدّ التدريس الصريح (L’enseignement explicite) أحد الركائز البيداغوجية الأساسية التي يقوم عليها دليل المدرس(ة)
بمؤسسات الريادة، إذ يعتمد على مقاربة علمية دقيقة تجعل عملية التعلم منظمة، قابلة للملاحظة، وقابلة للقياس.
لا يُترك التعلم للصدفة أو للمجهود الفردي للمتعلم، بل
يتم وفق خطوات محددة وواضحة تضمن بناء المعرفة تدريجيًا وبطريقة متماسكة.
يقترح الدليل اعتماد خمس مراحل أساسية في كل حصة تعليمية، تشكل
منهجية ثابتة لتدبير التعلم:
1. التهيئة:
يُحضَّر المتعلم ذهنياً لموضوع الدرس الجديد، من خلال
مراجعة سريعة للمكتسبات السابقة أو طرح وضعية محفزة للانخراط في التعلم.
2. النمذجة
(عرض النموذج):
يقوم الأستاذ(ة) بتقديم المهارة أو المفهوم الجديد أمام
المتعلمين، مع توضيح خطوات التفكير أو الإنجاز بصوت مرتفع، حتى يستوعب المتعلم
طريقة العمل بشكل ملموس.
3. الممارسة
الموجَّهة:
يتدرب المتعلم على المهارة الجديدة بمساعدة المدرس(ة)،
عبر أنشطة تطبيقية قصيرة تتخللها تغذية راجعة فورية لتصحيح الأخطاء وتقوية الفهم.
4. الممارسة
المستقلة:
ينتقل المتعلم إلى التطبيق الفردي بعد التأكد من فهمه،
حيث يعمل بشكل ذاتي لترسيخ المهارة واكتساب الاستقلالية في التعلم.
5. الإغلاق
أو التقويم المرحلي:
تُختتم الحصة بتقويم سريع يُقاس من خلاله مدى تحكم
المتعلمين في التعلمات، مع الحرص على بلوغ نسبة لا تقل عن 80% من الإتقان
الجماعي قبل الانتقال إلى الدرس الموالي.
هذا التنظيم المنهجي يُجسِّد
فلسفة “العمق قبل الاتساع”، حيث يُعطى الأسبقية لضمان
الفهم الحقيقي والتحكم الفعلي في المهارات بدل تسريع وتيرة الدروس دون استيعاب.
وبذلك يصبح التعلم عملية تراكمية ومنضبطة، تعزز ثقة
المتعلم بنفسه وتضمن له النجاح في المراحل اللاحقة.
تدبير القسم والممارسات المرجعية الفضلى
لا يقتصر التجديد في مؤسسات الريادة
على المقررات أو طرائق التدريس فحسب، بل يشمل أيضًا تنظيم الفضاء الصفي وتدبير الزمن والمواقف التعليمية بطريقة
دقيقة ومدروسة.
وقد حدد دليل المدرس(ة) ما يُعرف بـ "الممارسات المرجعية الفضلى"، وهي مجموعة من التوجيهات التنظيمية والسلوكية التي تهدف إلى جعل
القسم بيئة محفزة على التعلم النشط والمثمر.
من بين أبرز هذه الممارسات:
1. تموقع
المدرس(ة) في القسم:
يُنصّ على أن يكون مكتب المدرس(ة) خلف المتعلمين وليس
أمامهم، مما يُمكّنه من التحرك بحرية بين الصفوف والتفاعل المباشر مع التلاميذ
أثناء الأنشطة، خصوصًا خلال مرحلة الممارسة
الموجهة.
2. توزيع
المتعلمين في مجموعات ثنائية متكافئة:
يتم ترتيب المتعلمين حسب أدائهم، ثم يُقسَّم الصف إلى
مجموعتين: الأولى تضم المتفوقين، والثانية تضم من يحتاجون إلى دعم إضافي، ليُزاوج
بينهما المدرس(ة) في شكل أزواج متوازنة.
هذه الطريقة تُمكّن من التعلم بالتعاون، حيث يستفيد كل متعلم من زميله، وتُنمّى
روح المساعدة والتفاعل الإيجابي.
3. تنظيم
الفضاء الصفي:
يُراعى في ترتيب الطاولات والمقاعد تحقيق رؤية واضحة بين
المتعلمين والمدرس(ة)، وتسهيل الحركة والملاحظة المستمرة أثناء الأنشطة.
كما يُشجَّع على تزيين القسم بوسائل تعليمية محفزة، مثل
الجداول اللغوية، ولوحات الكلمات، وزوايا القراءة والتعبير.
4. ضبط الزمن
التعلمي:
تُوزع أنشطة الحصة بشكل متوازن بين مراحل التهيئة،
والتطبيق، والتقويم، مع الحرص على عدم تجاوز الزمن المخصص لكل نشاط حتى لا يفقد
المتعلم تركيزه.
تُبرز هذه الممارسات أن تدبير القسم في مؤسسات الريادة ليس عملاً عفويًا،
بل عملية هندسية دقيقة تُترجم الرؤية البيداغوجية للبرنامج إلى واقع يومي داخل
الفصول الدراسية.
فالفضاء الصفي يصبح جزءًا من المنهج نفسه، مساهماً في
تحقيق مبدأ التحكم في التعلمات وضمان
الإنصاف وتكافؤ الفرص بين المتعلمين.
خلاصة وتحميل الدليل الكامل
يُظهر دليل المدرس(ة) بمؤسسات
الريادة للغة العربية أن الإصلاح التربوي الحقيقي لا يقتصر على تغيير المقررات
الدراسية، بل يقوم على إعادة بناء المنظومة
التعليمية برؤية متكاملة تجمع بين الفلسفة التربوية العميقة، والممارسات
الصفية الدقيقة، والتدبير الزمني والعلمي للأنشطة.
فمن خلال اعتماد مبادئ مثل التدرج من البسيط إلى المركب، والتدريس الصريح، وترسيخ
الكفايات الأساسية، يضع الدليل المتعلم(ة) في صلب العملية التعليمية،
باعتباره فاعلاً في بناء تعلماته وليس مجرد متلقٍ للمعلومة.
إن النموذج البيداغوجي لمؤسسات
الريادة يُبرِز تحولاً نوعيًا في تصور تعليم اللغة العربية بالسلك الابتدائي، من
مقاربة تعتمد التلقين إلى مقاربة قائمة على التمكن،
والممارسة، والتقويم المستمر.
كما يُجسّد هذا الدليل التزام المدرسة المغربية بتجويد
التعلمات وتحقيق مبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص
بين جميع المتعلمين عبر الوطن.
وللاطلاع على تفاصيل أكثر حول
التخطيط البيداغوجي، والكفايات الخاصة بكل مستوى، وأنشطة الورشات التعليمية
بالتفصيل، يمكنكم تحميل الدليل الكامل
للمدرس(ة) بمؤسسات الريادة – اللغة العربية بصيغة PDF من الرابط التالي:
📘 تحميل دليل المدرس(ة) بمؤسسات
الريادة – اللغة العربية 2025-2026
(PDF)